في هذه الرواية الفريدة في بنائها ومضمونها، يعيد نجيب محفوظ صياغة التاريخ المصري من وجهة نظر مختلفة، حيث يجمع الحُكًام المصريين منذ عهد «مينا» موحد القُطْرَين وصولًا لعصر «السادات»، فيُجري بينهم حوارًا طويلًا في صورة محاكمة تستدعي كلًّا منهم للوقوف أمامها. يستلهم محفوظ فكرة المحاكمة من أسطورة مصرية قديمة تدور حول العدل والحساب بعد البعث في الحياة الآخرة، وتتألف المحكمة من أوزوريس في الصدارة ومن حوله إيزيس وحورس. يبدأ الحساب، وتشرع المحكمة في مقاضاة كل حاكم وإبراز ما له وما عليه خلال فترة حُكمه، بحيث تنتهي بكلٍّ منهم إما في النعيم الأبدي أو في مقام التافهين.
Reviews with the most likes.
في العالم الآخر، ينادي حورس ملوك مصر واحدًا تلو الآخر، بدءًا من مينا، موحد الشمال والجنوب، وانتهاءً بأنور السادات. يستدعيهم للمثول أمام أوزوريس في مملكته، حيث يخضعون لمحاكمة وفق معتقدات المصريين القدماء. يدخل الملك، يعرض حججه، ثم يصدر أوزوريس حكمه: نجاة أو هلاك، بناءً على أعماله في حياته، وبالأخص ما قدمه لمصر.
الفكرة بدت لي فريدة؛ فأي قصة تدور في عالم أسطوري، بعد الموت، حيث تنتهي معرفتنا، لا بد أن تكون مثيرة للفضول. ومع ذلك، أجد صعوبة في تقييم الرواية، إلا أنني استمتعت بقراءتها، رغم أن بعض أجزائها أثارت غضبي. فقد طُرحت إنجازات بعض الملوك في صورة بطولية رغم جدليتها، في حين عولجت محاكمة آخرين، مثل أخناتون وتوت عنخ آمون، بطريقة غريبة.
هذه الرواية تُقرأ للإثراء المعرفي، وللتأمل في فكرة العدالة الإلهية؛ فكم هي نعمة عظيمة أن يكون الحساب عند الله تعالى قائمًا على القلب والعمل، لا على المُلك والسلطة.
أما أوزوريس، فيظل إحدى شخصياتي المفضلة في الميثولوجيا المصرية، وأي قصة يكون محورها سأكون متحمسة لقراءتها.